مصريون يتخلون عن حيواناتهم الأليفة... نفقات وأولويات
تشهد أسواق الحيوانات الأليفة وطيور الزينة في مصر تراجعاً ملحوظاً في حركة البيع والشراء، إذ
يعاني المصريون صعوبات متزايدة في تلبية احتياجاتها الأساسية في ظل ارتفاع غير
مسبوق في أسعار الأعلاف وأطعمة الحيوانات، والخدمات
البيطرية.
بدأت الأزمة مع زيادة كبيرة
في أسعار أصناف الأعلاف التي ارتفعت بمعدلات قياسية خلال الأشهر الأخيرة، نتيجة
ارتفاع تكلفة الإنتاج، وتأثر الأسواق المصرية بالأسعار العالمية مع ارتفاع سعر الدولار، ما رفع كلفة استيراد المواد الخام اللازمة
لإنتاج أغذية حيوانات أليفة مثل القطط والكلاب، إضافة إلى الطيور وأسماك الزينة.
يملك محمد جمال متجراً لبيع
طعام الحيوانات الأليفة في وسط الإسكندرية، ويقول ، إن
"زيادة الأسعار شملت جميع أنواع الأعلاف وأطعمة الحيوانات، بما في ذلك القطط
والكلاب، ما جعل بعض الزبائن يقللون من الكميات التي يشترونها شهرياً، أو يشترون
الأصناف الأرخص، كما بدأ البعض يسألون عن تخفيضات أو بدائل غير مكلفة. دفعت
التغيرات المفاجئة في الأسعار العديد من أصحاب الحيوانات الأليفة إلى إعادة النظر
في خياراتهم".
يربي أحمد محمود كلبين من فصيلة "جولدن ريتريفر"، ويقول:
"كنت أشتري طعامهم (الدراي فود) بنحو 500 جنيه كل أسبوعين، والآن تضاعف السعر
عدة مرات ليصل إلى نحو 3 آلاف جنيه، وأصبحت لا أكاد أستطيع توفير ما يحتاج إليه
أحد الكلبين، ما اضطرني إلى التفكير في عرضهما للبيع، إذ لم أعد قادراً على تحمل
نفقاتهما".
يشكو مصريون من ارتفاع كلفة الرعاية البيطرية لحيواناتهم الأليفة
وتقول أميرة حسين التي تربي قططاً منزلية:
"حاولت البحث عن بدائل كالطعام المنزلي، لكن القطط لم تتكيف مع هذا النوع من
التغذية، عندها لم يعد أمامي خيار، فالأسعار تزداد بشكل يصعب معه الحفاظ على مستوى
الرعاية المطلوب، وفي النهاية قد أضطر إلى اتخاذ قرار بالاستغناء عن قططي بسبب
العجز عن تغطية تكاليف تغذيتها ورعايتها".
لم تكن الطيور وأسماك الزينة بمنأى عن الأزمة، فارتفاع الأسعار شمل
أيضاً أغذيتها، ما دفع بعض أصحاب هذه الهواية إلى تقليل عدد الطيور أو الأسماك
التي يحتفظون بها، أو بيعها.
يدير محمود عبد الرازق محلاً لبيع طيور الزينة في وسط مدينة الإسكندرية، ويقول : "كان الزبائن يشترون طيوراً مثل البادجي والكناري بأعداد كبيرة، لكن الأوضاع تغيرت بعد أن تضاعفت أسعار الأغذية ومستلزمات الرعاية، حتى إن بعضهم تركها لأصحاب المحلات المتخصصة للتكفل بها. الكثير من الأسر لم يعد لديها القدرة المادية، وهذا أدى إلى انخفاض حركة البيع، وأصبحنا نرى حالات تواصل من أجل التبرع بالطيور".
ومع استمرار الأزمة، لجأت بعض الأسر إلى حلّ قاس، إذ قررت إطلاق
حيواناتها الأليفة في الشوارع، ما قد يعرضها للموت بسبب انعدام الرعاية
المعتادة، بينما قرر آخرون عرضها للاحتضان عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
نشرت أسماء حسن إعلاناً على
الإنترنت لعرض كلبها من فصيلة "هاسكي" للاحتضان، وتقول: "لم أكن
أتخيل أن أصل إلى هذه المرحلة، لكن مع ارتفاع الأسعار غير المسبوق لتكاليف الأعلاف
والاحتياجات البيطرية، أصبحت غير قادرة على تحمل النفقات. لا يمكننا توفير النفقات
الشخصية إلا بصعوبة بسبب الأزمة الاقتصادية، وأصبح من الصعب توفير متطلبات وأطعمة
الحيوانات الأليفة بعد أن تضاعفت أسعارها. رغم أن أطفالي يحبون الكلب، ويعتبرونه
أحد أفراد العائلة، لكن الاحتفاظ به أصبح عبئاً مالياً كبيراً، وأسعى حالياً
للعثور على شخص يستطيع رعايته بشكل أفضل في ظل عدم قدرتي على تحمل المزيد من
نفقاته".
ولم يقتصر تأثير ارتفاع الأسعار على التغذية، بل امتد إلى الخدمات
البيطرية الأساسية، إذ ارتفعت تكاليف الفحوص والأدوية. ويشير الطبيب البيطري وليد
فهمي، إلى أن "الإقبال على العيادات البيطرية تراجع بشكل ملحوظ، فالعديد من
الأشخاص باتوا يؤجلون الزيارات الروتينية أو حتى العلاجات بسبب ارتفاع التكلفة،
وبعض أصحاب الحيوانات يحاولون التعامل مع أمراضها من دون مساعدة طبية، ما
يشكل تهديداً لصحة الحيوانات على المدى الطويل".
ويؤكد فهمي أن "أزمة الأعلاف وتكاليف الرعاية امتدت الى
الأدوية البيطرية التي نعاني نقصاً حادّاً فيها، ويتم بيعها بالسوق السوداء، ما
انعكس بشكل مباشر على صحة الحيوانات، إذ لم يعد البعض قادراً على توفير الرعاية
لها".
وفي ظل هذه الأزمة
المتصاعدة، ظهرت دعوات من أصحاب الحيوانات ومحبيها لإيجاد حلول، سواء من خلال
مبادرات مجتمعية تجمع التبرعات، أو توفير الدعم للحيوانات الأليفة، أو من خلال
تدخل حكومي لضبط أسعار الأعلاف وتوفيرها بأسعار مناسبة.
يقول هشام عيسى، وهو أحد المتطوعين في مجال رعاية الحيوانات
الأليفة، إن الحيوانات ليست كائنات ترفيهية، وينبغي التعامل معها على أنها جزء من
العائلة، وحين تعتاد على نوعية معينة من الرعاية أو الأطعمة من الصعب عليها
استبدالها، ولذا يجب نشر الوعي، وتقديم الدعم للأسر التي تحتاج إلى مساعدة في
رعاية حيواناتها.
ويشير عيسى إلى أن
"الأزمة الاقتصادية التي تعانيها مصر ساهمت في التخلي عن أعداد كبيرة من
الحيوانات الأليفة، وبعضها من السلالات المعروفة، والتي يقوم أصحابها بتركها في
الشوارع أو على أبواب الملاجئ المتخصصة في رعاية الحيوانات. تعاني معظم الأسر
المصرية الغلاء الناتج عن ارتفاع نسب التضخم وانخفاض قيمة الجنيه المصري أمام
الدولار الأميركي، وقد انعكس هذا على أسعار الأطعمة والأدوية البيطرية المخصصة
للحيوانات".
وينتقد غياب ثقافة حقوق الحيوان والرفق به، وعدم وجود جهة رسمية
تدعم رعاية الحيوانات الأليفة في مصر، لافتاً إلى أن الملاجئ المتخصصة في رعايتها
تعاني أيضاً الغلاء، وبعضها اضطر إلى تعليق نشاطه بسبب ارتفاع تكاليف الأطعمة
والأدوية وغيرها من المستلزمات.
ويقترح عيسى "توفير برامج دعم مجتمعية تتيح للأسر وضع
حيواناتها في مراكز رعاية مؤقتة، أو التبرع بالأعلاف لمن لا يستطيعون تحمل
تكاليفها، ما يسمح بتخفيف العبء عن الأسر الراعية للحيوانات، والمساهمة في الحفاظ
على صحة تلك الحيوانات".