الأحد ٢٢ / ديسمبر / ٢٠٢٤
من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية

الملاهي الشعبية فسح ورزق الغلابة

كتب :
الملاهي الشعبية فسح ورزق الغلابة


في أيام الصيف الحارقة، ووسط حماس الأطفال الفرحين في مختلف  شوارع أحياء مصر الشعبية يلجأ الأهالي إلى "ملاهي الغلابة"، و المعروفة باسم "الملاهي  الشعبية". التي  تتواجد في الطرقات والحدائق العامة وتشهد اقبالا متزايدا في اعداد الزائرين علي مدار العام .

ورغم بساطة الألعاب بها إلا انها اصبحت نزهة وفسحة للمواطن البسيط وأسعارها في متناول غالبية الأسر الفقيرة أو المتوسطة مقارنة بأسعار الملاهي الخاصة التي تتواجد في المولات الشهيرة وغيرها من الأماكن المخصصة للألعاب ومصدرا لبث البهجة والسعادة في قلوب الأطفال خاصة  أيام الأعياد و الاجازات.

من بين صفوف المنتظرين أمام أراجيح منطقة "أبي العباس" في الإسكندرية شمالي مصر، تقول أم سعاد، ربة منزل (42 عاما)، : أرى أطفالي يتطلعون  إلى الذهاب لمدن الملاهي المميزة في المناطق الراقية، ولكني لا أستطيع أن أذهب بهم إليها، فأسعار التذاكر باهظة جدًا بالنسبة لدخل أسرتنا المحدود، لذا أضطر أن أجلبهم إلى هذه الأراجيح البدائية في الشارع، على الرغم من خطورتها، فهذا هو الحل الوحيد لإسعادهم خلال الإجازة.

وتضيف لا تملك غالبية الأسر الفرصة للذهاب بأبنائهم للاستمتاع في مدن الألعاب المخصصة لأبناء الطبقات الميسورة، والذين يتنعمون بأحدث ألعاب الملاهي وأكثرها إثارة، فالملاهي المتطورة باتت حكرًا على من يملكون القدرة على دفع الأسعار الباهظة لتذاكرها، أما أطفال الفقراء، فيجدون في هذه الأراجيح البسيطة ملاذًا وحيدًا للهروب من حياتهم القاسية للحظات قليلة من المتعة البريئة.


ويتفق معها حسام عادل" موظف" قائلا كل فترة خاصة في الاجازات والاعياد  نذهب بصحبة الاولاد ، للاستمتاع بالألعاب والمراجيح و المعروفة باسم "الملاهي الشعبية " بدلا من الذهاب للملاهي الحديثة مرتفعة الثمن في المولات الشهيرة ، مشيرا الى ان كل الالعاب المتوفرة هنا بثمن لعبة واحدة هناك غير تذكرة الدخول.

ويضيف" لا أنكر مخاوفي على سلامة أطفالي عندما يركبون تلك الأراجيح المهترئة، ولكن ما الخيار المتاح أمامنا؟ إن تكلفة دخول الملاهي الحديثة تفوق إمكانياتنا بكثير، أنا أعمل بجد لسد احتياجات أسرتي الأساسية، فكيف أستطيع تحمل مصاريف رحلة إلى ملاهي المدينة؟ لذلك نضطر للاكتفاء بهذه الأراجيح البالية، حتى لو كان ذلك على حساب سلامة أطفالنا."

وأوضح وهي أراجيح وألعاب قديمة محطمة جزئيًا ومصابة بالصدأ، تعكس القدرات المالية التي تناسب ميزانيات الأسر، بدلاً من الأراجيح العالية اللامعة والعجلات المتحركة ذات التأمين المثالي في ملاهي مدن الألعاب الفخمة، والتي تحتاج ميزانيات كبيرة لا تقوى عليها دخولهم.

ويضيف حسن وجدي، موظف، (38 عاما): رغم بساطة الألعاب بها الا انها اصبحت مصدرا لبث البهجة والسعادة في قلوب العديد من الأطفال لقربها من المنازل ولا تحتاج  إلى وسائل مواصلات للوصول إليه وغالبية الاهالي يستطيعون قضاء وقت أطول بالقرب من ابناءهم  او برفقة اصدقائهم دون قلق.

وأوضح "وجدي": أحيانًا أنظر إلى أطفال الأحياء الأخرى، وهم يركبون العجلات والأرجوحات الحديثة في ملاهي الترفيه، فأشعر بحسرة كبيرة، وأتمنى لو كنت أستطيع إسعاد أبنائي بمثل تلك الألعاب، ولكن لا أملك فرصًا إلا لهذه الأراجيح البائسة في الشارع، رغم مخاوفي عليهم، إلا أنها أفضل من حرمانهم من أي نوع من المتعة خلال إجازة الصيف.

وبالحديث مع أصحاب الأراجيح في منطقة أبي العباس، يقول إبراهيم مرسي،  رغم تواجد الملاهي الحديثة أن الإقبال هذا العام أزيد من الأعوام السابقة خاصة في الاعياد بعد ان تحولت الى  فسحة  بأقل ثمن ووسيلة الترفيه الأساسية لأبناء الطبقة الفقيرة والمتوسطة.

ويضيف : نُجري صيانة دورية لهذه الأراجيح باستمرار لضمان سلامة الأطفال، ونفحصها يوميًا ونُصلح أي أجزاء متهالكة فورًا، فرغم المظهر المتواضع للأراجيح، إلا أننا نحرص على توفير البيئة الآمنة للأطفال، ولا نسمح بصعود أكثر من طفلين في المرة الواحدة، ونحذر الأطفال من التهور في أثناء الركوب.

وتشير أم سمير (صاحبة أرجوحة)، إلى أن تلك الأراجيح توفر فرصة الترفيه والمتعة للأطفال بأسعار في متناول أيدي الجميع، إذ إن تكلفة التذكرة لديها تتراوح بين 5 إلى 10 جنيهات فقط، وهذا يعادل ما يقرب من 10% من أسعار الملاهي الكبرى، وهو ما يتيح للأطفال من جميع الطبقات الاجتماعية الاستمتاع بالألعاب.

واعتبرت" أم سمير" أنهم يقدمون خدمة مهمة لأهالي الإسكندرية، وبخاصة أولئك ذوي الدخل المحدود، مضيفًا: هذه الأراجيح هي الملاذ الوحيد للأطفال للخروج من البيوت والاستمتاع بأجواء الصيف، وبناء عليه نأمل أن يُرَخَّص لنا من قبل الجهات المختصة لنستمر في تقديم هذه الخدمة الضرورية للمجتمع بدون خوف من تعرضنا للإزالة أو الحبس.

ومن جانبها تقول نجلاء عبد المنعم الباحثة الاجتماعية ،  إن توفير بيئة ترفيهية آمنة للأطفال من الطبقات الفقيرة في المجتمع أمر بالغ الأهمية لضمان نموهم النفسي والعقلي السليم، مؤكدًا أن الترفيه لا ينبغي أن يكون مقصورًا فقط على من لديهم القدرة المالية، بل يجب أن يكون متاحًا لجميع الأطفال بدون استثناء.

وأضافت الباحثة الاجتماعية أن هذه الأراجيح البسيطة والصدئة في الأزقة والشوارع الفقيرة، رغم مظهرها المتواضع، إلا أنها توفر للأطفال فرصة للخروج من البيوت الضيقة والاستمتاع باللعب والتفاعل الاجتماعي، حيث إن هذه الألعاب البسيطة والرخيصة تساعد على تطوير مهاراتهم الحركية وتوفير متنفس لهم من ضغوط الحياة اليومية.

وطالبت "عبد المنعم "، الجهات المعنية، بترخيص هذه المشاريع الصغيرة وتنظيمها لضمان سلامة الأطفال، مضيفًا: "فبدلاً من إغلاقها أو إزالتها، يجب العمل على تحسين البنية التحتية والإشراف عليها لتكون بيئة آمنة للترفيه، وهذا سيساعد على إتاحة الفرصة للجميع للاستمتاع بأوقات الفراغ وتحقيق التوازن النفسي الذي يحتاجه الأطفال.

وأردفت: على الحكومة ألا تساعد على تعميق الفروق الطبقية التي ما زالت تشطر المجتمع إلى شرائح متباينة، حيث يتمتع البعض بكل مظاهر الرفاهية، بينما يحرم آخرون من أبسط مقومات العيش الكريم، ولكن عليها أن تبذل الجهود الكافية لتقديم البدائل للفقراء في حدود استطاعتهم المالية.

 

موضوعات ذات صلة