قائمة طعام بطريقة برايل.. مبادرة انسانية بالإسكندرية
لم تعد قوائم الطعام مجرد ورقة تضع على الطاولة، بل أصبحت رسالة تحمل
في طياتها حقوق وكرامة ذوي الاحتياجات الخاصة بعد ان تحققت أمنية طالما حلم بها
الكثيرون من فاقدي البصر عندما نالوا فرصة لاستكشاف عالم النكهات والمأكولات
بأنفسهم، دون أن يعتمدوا على مساعدة الآخرين ودون أي إحراج.
حيث قررت الإدارة المركزية للسياحة والمصايف بمحافظة الإسكندرية شمال
مصر، إلزام المنشآت السياحية باختلاف أصنافها ودرجاتها، بتقديم قائمة الطعام
"المنيو" بتقنية "برايل" التي يستخدمها المكفوفون في القراءة
والكتابة لتسهيل قراءتها للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية.
وجاءت تلك الخطوة بعد إعلان تجهيز عدة شواطئ في المدينة الساحلية لذوي
الهمم في صيف العام الماضي ، للاستمتاع بالبحر وأمواجه بأمان، الأمر الذي أسعد
ذوي الإعاقات وأسرهم، وجذب إعجاباً كبيراً من مؤسسات المجتمع المدني والمهتمين
بالمعاقين.
وكانت الدقائق الأولى من لمسهم لقوائم الطعام المزودة بتقنية
"برايل" تجربة ساحرة، ففي تلك اللحظة، تحولت حروف وكلمات القائمة إلى
نقاط تلامس أطراف أصابعهم، مما أتاح لهم فرصة قراءة وفهم المحتوى بأنفسهم، وكانت
أعينهم تتلألأ بالدهشة والسرور، وهم يجولون أصابعهم على الكلمات المكتوبة، وكأنها
تروي لهم قصصًا لا تعد ولا تحصى عن الأطباق اللذيذة والمأكولات الرائعة المتاحة
أمامهم.
ويقول الشاب المكفوف أشرف عبد الرحمن (34 سنة)، في أثناء جلوسه في أحد
المطاعم الكبرى وسط الإسكندرية: أشعر بسعادة لا توصف عندما سمعت بمبادرة إدارة
السياحة والمصايف بالإسكندرية لتوفير قوائم طعام بطريقة "برايل" في
المطاعم، بعد أن كانت دائمًا عائقًا لي عند زيارة المطاعم، والآن أستطيع أخيرًا
اختيار الأطباق بنفسي دون الحاجة إلى المساعدة أنا ممتن لهذه الخطوة المبتكرة،
وآمل أن تكون نموذجًا يحتذى به في المدن الأخرى.
أما نورا سليمان، والدة طفلة عمرها 11 عاما تضيف: كأم لطفلة من ذوي
الاحتياجات الخاصة، كانت مناسبات تناول الطعام في المنشآت السياحية تمثل تحديًا
كبيرًا بالنسبة لنا، كنا بحاجة إلى قراءة القائمة لابنتنا واتخاذ قرارات بالنيابة
عنها ولكن الآن، مع توفير القوائم بطريقة برايل، أصبحت تستطيع قراءتها بنفسها
واختيار ما ترغب في تناوله، نحن سعداء للغاية بهذه الخدمة المبتكرة ونأمل أن يستمر
الدعم لتحسين تجربة ذوي الاحتياجات الخاصة.
علي شكري، الرجل الستيني ، يجلس ببهجة على أريكة في أحد أركان فندق
شهير غرب الإسكندرية، ويقول ذوي الاحتياجات الخاصة
يعانون هم وذويهم من حساسية مفرطة تجاه كل ما يعكر صفوهم، ويحط من شأنهم بسبب
إعاقتهم، ومن بين ذلك عدم قدرتهم على قراءة "المنيو" وهو ما أدركته
إدارة السياحة والمصايف وقررت تغيره.
وأضاف: بعد بضعة وستين عامًا من العمر ككفيف، أرى أخيرًا تحسنًا في
حياة ذوي الاحتياجات الخاصة التي تواجه تحديات عديدة بالمجتمع وتوفير فرصة لهم
للاستمتاع في بيئة مريحة، بعد تغيير هذا المنظور من خلال تلك التجربة الممتعة.
بدورها قالت هبة احمد توفيق الموظفة بالإدارة المركزية للسياحة
والمصايف وصاحبة المبادرة أنها تفاعلت جدا مع المكفوفين بعد التعرف عليهم عن قرب
فى شاطئ المكفوفين الذى افتتح بالمحافظة العام الماضي حيث فوجئت بإرادتهم ورغبتهم
فى الاعتماد علي أنفسهم بقدر الاستطاعة اثناء ممارستهم لشئون حياتهم ومن هنا جاءت
الفكرة .
ووصفت المبادرة بانها تجربة إنسانية فريدة تهدف إلى دمج المكفوفين في
المجتمع حيث يتمكن فاقدي البصر وباستقلالية تامة من اختيار المناسب لهم داخل
المطاعم والكافتيريات والفنادق بمحافظة الإسكندرية اعتمادا علي انفسهم ودون
الاحتياج للمرافق ، مما يشكل لهم دعما معنويا ونفسيا كبيرا امتدادا للدعم الذي
وجدوه عندما تم افتتاح شاطئهم الخاص حيث تمكنوا ايضا من النزول للبحر بمفردهم
اعتمادا علي حاسة اللمس.
فيما اكد الدكتور محمد عبد الرازق، رئيس الإدارة المركزية للسياحة
والمصايف بالإسكندرية ان المحافظة تسعى لتوفير ما يحتاجه لذوي الاحتياجات الخاصة ،
للاستمتاع بحياتهم كغيرهم من باقي أفراد
المجتمع. ومنحهم الفرصة للتواجد داخل كل مرافق الدولة بصورة طبيعية.
وأوضح عبد الرازق بدأنا تنفيذ المبادرة وتطبيقها في 78 منشأة حتى الآن بعد ان تواصلنا مع
جمعيات المكفوفين لفهم احتياجاتهم ومعرفة أماكن الطباعة المتخصصة .
وأشار "عبد الرازق"، إلى أن هناك خطة لتعميم هذه الفكرة على
جميع المنشآت السياحية، حيث ستكون هناك متطلبات قانونية للمنشآت لضمان توفير
نسختين على الأقل من قوائم الأسعار بتقنية "برايل" لذوي الاحتياجات
الخاصة.