انتعاش مؤقت لمهن في عيد الأضحى بالإسكندرية
.jpeg)
من جديد، وبعد أشهر طويلة من السكون، بدأت أصوات آلات شحذ السكاكين (إعادة
الحدة إلى سلاحها)، للصليل والارتفاع من جديد، وبدأ بريق سلاحها في العودة إلى
أعين المارة في سوق باب عمر باشا وسط الإسكندرية ، مع اقتراب عيد الأضحى
واستعداد الأهالي لذبح الأضاحي وتقطيع لحومها.
قالب صخري دائري، يدور حول عمود حديدي بمساعدة ماتور كهربائي، ويقف أمامه
محمد إمام (27 سنة) صنايعي شحذ السكاكين.. مشهد يسعد لرؤيته عشرات الآلاف من زائري
السوق يوميًا، والذين يقصدونه منذ بداية شهر ذي الحجة من كل عام لإعادة تأهيل
سكاكين مطابخهم استعدادًا لـ"عيد اللحمة".
فمع قدوم عيد الأضحى من كل عام، تزدهر مهن
موسمية وتصبح مصدر رزق للعديد من الشباب الذي يتفنن في مزاولتها واستثمار هذه
المناسبة الدينية لممارسة أنشطة يزداد الطلب عليها لكسب المال والهروب من شبح
البطالة ولو مؤقتا.
ويقول "إمام"، إنه يعمل في تلك المهنة منذ أن كان صبيًا عمره 12
عامًا، يقف إلى جوار والده الحاج إمام الحبشي، أحد أقدم العاملين بالمهنة في
الإسكندرية، وكانت مهمته وقتها هي سكب القليل من المياه على الحجر الدائر في أثناء
شحذ السكاكين، بينما كان والده يلف الحجر بقدمه عبر بدال يدوي قبل دخول المحركات
الكهربائية للمهنة.
وأضاف: مهنتي الأصلية والتي أقتات منها طوال العام هي بيع السكاكين
بأنواعها، ولكن الأسبوع الذي يسبق عيد الأضحى له وضعًا آخر، إذ يعتبر هو موسم سن
السكاكين "شحذها"، وأتحصل على مكاسب كبيرة خلال تلك الأيام من هذه
المهنة، إذ أحصل على 15 جنيهًا كمتوسط سعر شحذ السكين الواحد سواء كان "كزلك؛
أو سليخة؛ أو تشفية؛ أو سواطير"، ولا يستغرق مني ذلك إلا دقائق معدودة.
وأوضح إمام، أن عملية شحذ السكاكين تمر بـ4 مراحل، الأولى هي الجلخ ولها ماكينة خاصة تعمل على فتح سَن السكين؛ ثم مرحلة تنعيم السلاح على ماكينة الحجر؛ ثم تنظيف الجوانب من خلال وضع السكين في الماء وتركه قليلًا؛ وأخيرًا تمرير السكاكين على حجر السن لإزالة الطبقة القديمة لتكون جاهزة لذبح الأضاحي.
وعلى بعد خطوات يقف عم جابر، بائع "الأورمة"، وهي قطعة خشبية
دائرية أو مستطيلة، تُستخدم في تقطيع اللحوم عليها، ببضاعته متنوعة الأحجام
والأشكال، بينما يمر عليه الزبائن للسؤال عن الأسعار ومعاينة البضاعة للتأكد من
متانتها ونظافتها.
ويقول عم جابر، إنه يستخدم أفضل أنواع الأخشاب "الزان" في تصنيع
الأورمة، والتي تحتاج درجة عالية من المتانة لتحمل خبطات تقطيع اللحوم بالساطور
(سكين كبير الحجم)، مشيرًا إلى أن متوسط عمر الأورمة من 3 إلى 5 سنوات في حالة
الاستخدام المنزلي، بينما يكون من 6 أشهر إلى عام في حالة استخدامها في محال
الجزارة.
وأضاف جابر: أنتظر عيد الأضحى من العام للعام لأتكسب من استعدادات الأهالي
للعيد، فأتجه إلى بائعي الأخشاب الزان، وأشتري كمية من أفضل الأنواع، وأنقلها إلى
ورش تقطيع الأخشاب، لأقطعها وأجهزها بأشكال وأحكام مختلفة في الطول والعرض
والسُمك، حيث إن طلبات الزبائن مختلفة، ثم أنظفها جيدًا، وأعرضها للزبائن في السوق.
وتابع: أبيع الأورمة طوال العام، ولكن الإقبال على شرائها يكون منخفضاً
للغاية، فأبيع إلى جوارها أدوات المطبخ المنزلية، ولكن مع اقتراب العيد لا مكان
لأدوات المطبخ، فأركز مجهودي على بيع الأورمة، والأسعار تتراوح بين 60 جنيهًا و350
جنيهًا بحسب المقاسات.
ولم يكن شحاذ السكاكين وبائع الأورمة حالات خاصة، إذ غيرت غالبية محلات سوق
باب عمر باشا نشاطها الأصلي، لتتحول إلى بيع أدوات ذبح الأضاحي وتقطيع اللحوم،
فحول الحاج تهامي المنوفي صاحب محل بيع الثلج "قوالب ثلجية تستخدمها محلات
الأسماك في السوق"، نشاطه ليبيع أصنافاً متنوعة من السكاكين؛ والأجناش
"أدوات تعليق الذبائح"؛ والجنازير "سلاسل حديدية للتعليق"؛
والمستحدات "أدوات بسيطة لشحذ السكاكين في المنزل".
ويقول "المنوفي"، إن هذا هو موسم اللحوم، وسيظل على هذا الحال
لمدة لا تقل عن أسبوعين، وهو ما يُخفض الطلب بشدة على قوالب الثلج، ويدفعه إلى
تغيير النشاط، مضيفًا أن أفضل ما يمكن بيعه خلال تلك الفترة هو بيع معدات الذبح
وتقطيع اللحوم.
وأضاف: بيع تلك الأدوات يكون رائجًا خلال تلك الفترة، فأشتريها من بائع
الجملة، وأضيف لنفسي هامش ربح يقترب من 30% من سعرها.
أما سميرة اليمني، بائعة الورقيات المنزلية والمناديل في السوق، فقد ركزت
جهودها على بيع الأطباق المكونة من مادة الفِل والأوراق الحمراء، وهي الأدوات التي
تُستخدم في تعبئة اللحوم سواء عند الجزار أو لحوم الأضاحي في المنازل.
وتقول سميرة: أصحاب الأضاحي والجزارين يحتاجون كميات أكبر من تلك البضائع
خلال تلك الفترة، وهو ما يعتبر موسمًا مهمًا لبيعها، فأستغل الفرصة وأتماشى مع
الأجواء العامة للسوق، والذي يُخدم بشكل تام على بيع اللحوم، وهو ما يؤدي إلى
تبادل المنفعة بين البائعين ورواج بضائعهم.