الأحد ٢٢ / ديسمبر / ٢٠٢٤
من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية

زنقة الستات متعة التسوق فى اقدم سوق تاريخي بالإسكندرية

كتب : أحمد علي
زنقة الستات متعة التسوق فى اقدم سوق تاريخي بالإسكندرية



في قلب محافظة الإسكندرية يبرز سوق "زنقة الستات" أحد أقدم وأشهر أسواق المدينة الساحلية الذي يحتل مكانه كبيرة ما جعله مقصدا للسياح والمواطنين.

فرغم كونه طريقًا ضيقًا لا يتعدى عرضه مترًا، ولا يسمح بمرور أكثر من شخصين متجاورين، إلا انه يشهد حركة تجارية دؤبة  باستمرار من زائريه الذين يتوافدون عليه ليس فقط لما يجمع بين جدرانه من بضائع تتميز بالعراقة أو المدنية الحديثة وإنما بما اشتهر بالأحداث التاريخية التي مر بها

ومن يتجول بداخلة يكتشف انه يمتد طوله لمئات الأمتار الدائرية والملتفة حول ذاتها كالثعبان، ليسمح ذلك الطول باستيعاب فئات متنوعة من ذوي المقاصد المتنوعة، فتلك فتاة تبحث عن ضالتها لتكمل تجهيزات عُرسها المنتظر، وهذه أم تبحث عن مستلزمات الأطفال والرضع، و غير بعيد عنه تاجر مستحضرات تجميل يشتري بضائع واكسسورات نسائية.

كما اكتسب شهرته من كونه أول وأكبر مكان يبيع كل ما تحتاجه المرأة في الإسكندرية، من ملابس وأدوات ومستحضرات تجميل وحُلي غير ذهبية، وتعرض بضائع مصنوعة بحرفية عالية بأيادي مصرية وغير مصرية، وبأذواق وصيحات مصرية وشامية وهندية وإفريقية، وهو ما جعل منها فرصة واعدة للشباب لتحقيق أرباح مضمونة بأقل رأس مال.

وللسوق أو "الزنقة "كما يطلق عليه أهالي الإسكندرية حاليا  أكثر من اسم ومنها "سوق المغاربة" وذلك لأسباب تاريخية منذ بداية نشأته منذ أكثر من 100 عام ، كما ذاع صيته  كثيراً بعد أن ارتبط باسم أشهر سيدتين فى عالم الجريمة «ريا وسكينة» اللتين كانتا تستدرجان ضحاياهما من النساء من داخل السوق إلى منزلهما في منطقة اللبان، احد أشهر الأحياء القديمة في الإسكندرية،وهو ما تم تجسيده فى العديد من الأعمال الفنية والسينمائية .

عم عوض الغزالي (86 عامًا) أحد أقدم بائعي "زنقة الستات" وأكبرهم سنًا، يحكي عن 70 سنة قضاها كاملة بين جنبات السوق، فيقول: على مدار سنوات طويلة كان غالبية زبائن السوق من الأجنبيات والشوام، هو ما اعتبره مزارًا سياحيًا أكثر من كونه سوقًا تجاريًا.

وأضاف: كبرى الشركات السياحية كانت تضع زيارة" الزنقة" ضمن برامجها المرسومة بعناية للسائحين في الإسكندرية، فلم تكن زيارتها أقل أهمية من زيارة قلعة قايتباي وعمود السواري والفنار والمتاحف الكبرى، بل إن السائحين كانوا يرونها أكثر جذبًا.

أما عبد المنعم عبد العزيز احد القيادات التاريخية بمنطقة المنشية فيقول محلات السوق تتواجد  وسط المنازل الأثرية القديمة التي يغلب على معمارها التراث الإيطالي واليوناني ويرجع تسميته بهذا الاسم  إلي أحد التجار اليهود  وهو أول من افتتح محلاً به ويدعي "لي ستات"، ولكنه تم تحريف الاسم مع الوقت ، بعد ان  توافد عليه العديد الجنسيات والأطياف عبر مئات السنين.

وأشار الى أن  ملامح "الزنقة" تغيرت عما كانت عليه قديماً الذي وصفة بالأفضل على الرغم من  ان السوق دائما يشهد  إقبالا كبيرا للمواطنين، لاسيما النساء من مختلف الأعمار اللائي يفضلن  التسوق و التزود من البضائع والاكسسورات الحريمي التي تشتهر بتنوعها ووفرتها.

واستطرد قائلًا: الزنقة فتحت بيوتًا كثيرة لشباب لم يجدوا عملًا وفتيات يتيمات وأرامل مات عنهن أزواجهن، وكنا شاهدين على المئات من قصص الاسترزاق التي تولدت بين أزقتها وكبرت حتى أصبح أصحابها من التجار الأثرياء والمشهورين.

أما هاني تهامي، أحد الشباب المترددين على" زنقة الستات"،فهو خريج معهد للتعليم المتوسط، ولم يجد وظيفة مناسبة تُمكنه من تحقيق ربح يبدأ به حياته، وهو ما دفعه للتفكير في العمل في أي تجارة، إلا أن عدم امتلاكه لرأس المال كان حائلًا دون ذلك.

وأضاف: مررت بالمصادفة أمام السوق، فوجدت بضائع نسائية تُباع بأسعار زهيدة وبأشكال وألوان وجودة عالية، فقررت بدء التجربة، واعتمدت على البيع لعائلتي ومعارف والدتي وشقيقاتي من النساء والفتيات، وما أن بدأت العمل حتى تزايدت الطلبات وتسارعت دورة رأس المال، وتمكنت من تحقيق أرباح جيدة.

ولفت إلى أن كثير الشباب من تجار زنقة الستات، بدأ من الصفر تقريبًا، إلا أن النهايات تتنوع بين شاب أصبح يملك قوت يومه من العمل في شراء مستلزمات السيدات بسعر الجملة وبيعها بسعر التجزئة، وبين آخر تمكن من توسيع دائرة عمله ليصبح موزعًا على المحال التجارية في المناطق المختلفة، وثالث استأجر محلًا لحسابه الخاص ليعرض فيه بضائع الزنقة التي تجذب أي سيدة بصرف النظر عن مستواها المالي والاجتماعي.

وتاريخيًا يقول الدكتور إسلام عاصم، مدرس التاريخ الحديث والمعاصر، إن زنقة الستات هي أحد أقدم وأشهر أسواق الإسكندرية، ويعود تاريخها إلى عهد الحملة الفرنسية على مصر في نهايات القرن الـ19.

وأضاف: التجار المغاربة واليهود هم أول من أسس زنقة الستات، ولذلك أطلق عليها المصريون اسم "سوق المغاربة" لسنوات طويلة، حيث عملوا فيها ببيع السجاد والأقمشة الحريرية من أفضل وأندر الأنواع في العالم.

وتابع: بعد ثورة يوليو 1952، اضطر غالبية هؤلاء التجار للرحيل عن مصر، وتملك المحلات المصريين فتغير شكل السوق ودخل عليه الكثير من التعديلات في أنواع البضائع وأساليب البيع والأسعار، واختفى التنوع الثقافي الذي اشتهرت به الزنقة، لتصبح سوقًا مصريًا خالصًا بنكهة تراثية متعددة الثقافات والأعراق.

وأشار مدرس التاريخ الحديث والمعاصر، إلى أن الانفتاح الاقتصادي في سبعينات القرن الماضي ترك أثرًا واضحًا على الزنقة، إذ تحولت إلى متجر لبيع كل أشكال وأنواع البضائع المستوردة الخاصة بالسيدات بدءًا من الملابس ومستحضرات التجميل وحتى أدوات المنزل وفرش المنزل واحتياجات الرضع والأطفال والوصفات العلاجية النسائية وغيره.

وأضاف: على الرغم من الأوضاع الاقتصادية الصعبة إلا أن الزنقة لم تفقد رونقها ولا جذبها للسيدات، فمازالت تتمتع بعشق أهالي الإسكندرية، حتى إن الأمهات تصطحبن بناتها للمرور في أزقتها ومشاهدة الجديد من البضائع حتى وإن لم تكن تنوي الشراء، فهي نزهة قبل أن تكون سوقًا، ومكانًا يحفظ الذكريات ويروي مشاهد تاريخية من حياة الأجيال.

موضوعات ذات صلة