الأحد ٢٢ / ديسمبر / ٢٠٢٤
من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية

"البراميل الخشبية" تقاوم الاندثار في الإسكندرية

كتب : أحمد علي




أبى حرفيو وصناع البراميل الخشبية في الإسكندرية شمالي مصر، التباكي على اندثار مهنتهم وعدم احتياج السوق إليها، فقرروا تغيير ثوبها، عبر خلق سوق جديد لها ذو احتياجات مختلفة، فاختفت البراميل الخشبية المستخدمة في حفظ البضائع والمثلجات، بينما ظهرت في ديكورات المنازل والكافتريات والمطاعم والمتنزهات والحدائق.

وتعرف المصريون على صناعة البراميل الخشبية لأول مرة منذ أكثر من 200 عام، على أيدي "الخواجات" من الصناع الأجانب اليونانيين والإيطاليين، الذين كانوا يعيشون في الإسكندرية، ويمتلكون ورشًا مخصصة لتلك الصناعة، إذ تخرج فيها الجيل الأول من الصناع المصريين لها، والذين تعرفوا على أسرارها عن قرب، وأتقنوها وحفظوها عن ظهر قلب.

وبمرور الزمن نقل الجيل الأول من صناع البراميل الخشبية المصريين، أسرار "مهنة الأجانب" إلى أبنائهم ليأسسوا ورشًا خاصة بهم، وتبدأ رحلة أبناء البلد فيها، إذ ازدهرت صناعتهم وتجارتهم على مدار أكثر من قرن من الزمان، قبل أن تتسبب التقنيات الحديثة في صناعة البلاستيك والمعادن المتنوعة في العزوف عن شراء منتجهم وتراجع أعداد العاملين فيها .

"لم نتوقف عن تصنيع البراميل الخشبية منذ افتتح جدي الأكبر الورشة في منتصف القرن الـ19 أي منذ ما يزيد عن 150 عامًا، وأنا وأشقائي نعتبر الجيل الرابع الذي يتوارث المهنة"كما يقول الأسطى أحمد حسن، صاحب ورشة تصنيع البراميل الخشبية في وسط الإسكندرية، لـ"العربي الجديد".

ويضيف "حسن": حرفيون امتهنوا صناعة البراميل الخشبية  وتوارثوا المهنة من ابائهم واجدادهم، ومنهم  عائلتي فمنذ ان  تركنا والدي ورحل عن عالمنا منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي، فتسلمنا الورشة وكان العمل على أشده حينئذ، والطلبات تنهال علينا من كل حدبٍ وصوب، فهذا متجر يحتاج إلى البراميل الخشبية لحفظ المثلجات، وذلك مصنع يحتاجها في تقسيم الخامات، وهذه مدبغة تحتاجها في صبغ البضائع صغيرة الحجم، بالإضافة إلى مناقصات كانت تطرحها الحكومة لشراء تلك البراميل لتخزين البارود.

وتابع حسن، أن مع مرور السنين، بدأ نجم مهنته يخفت، وتنخفض الطلبات عليها، وأصبح الأمر قاصرا علي عدد من محدود من المحال او خلال بعض المواسم على مدار العام وذلك بالتزامن مع شراء الزبائن لأواني وبراميل أكثر تطورًا في العمر والقدرة على التحمل والسهولة في النقل والتخزين وغيرها من المميزات التي تتيحها الخامات الأخرى مثل البلاستيك والمعادن المختلفة.

ويستطرد شقيقه وشريكه في الورشة محمد حسن، فيقول، إن الوضع كان يزيد تعقدًا كلما مر الوقت، فكل يوم تفقد الورشة زبونًا جديدًا، بشكل أفقدها قوتها ودفعهم لتسريح العمالة، وكانوا على وشك إغلاقها نهائيًا، إلا أنهم وبعد تفكير عميق قرروا تغيير ثوب مهنتهم للحفاظ عليها.

وأوضح محمد حسن: اتجهنا إلى الديكورات، وعقدنا اتفاقات مع مكاتب ديكورات هندسية لتصنيع البراميل الخشبية بمواصفات وأحجام وألوان جديدة وغير اعتيادية، لتتغير وظيفتها من الحفظ والتخزين، إلى التزيين والتجميل، وذلك في الحدائق والمتنزهات والمطاعم والكافيتريات والمصايف والشواطئ وحتى في المنازل والفلل، بينما نحتفظ بعدد قليل من الزبائن التقليديين الذين يستخدمون البراميل في حفظ الأعلاف والعطارة، والأسماك المملحة.

وعن التغيرات التي شهدتها الورشة في الوقت الراهن عما كانت عليه في حياة الأجداد، يقول محمد حسن، إن الشكل العام للورشة لم يتغير من حيث البناء وطلاء الحوائط والفوضوية في وضع العدد والآلات وتخزين الخشب والبراميل، إلا أن التغير طرأ فقط على 3 عناصر.

وتابع: العنصر الأول هو دخول بعض العدد والأدوات الحديثة في العمل لمواكبة التطور والتقليل من الوقت المستغرق في إنجاز العمل، والثاني هو تخفيض جودة الخامات من أخشاب وحديد بغرض خفض سعر المنتج النهائي لأسباب تسويقية واقتصادية، والثالث هو عدم التقيد بالشكل البيضاوي للصناديق، والتي كانت ضرورية في الماضي لتسهيل نقلها قبل أن تتوافر وسائل النقل الحالية.

وأشار الحرفي، إلى أن صناعة البراميل الخشبية تختلف كثيرًا عن طبيعة عمل النجار التقليدي، فهي لا تعتمد على أي مواد لاصقة للأخشاب، بل تحتاج إلى فن في أسلوب تقطيع الأخشاب، والأطواق المعدنية التي توضع في النهاية حول البرميل.

وتابع: الفن الذي توارثناه عن أجدادنا الجيل الجديد من الشباب ليس لديه رغبة في امتهانه وبين أن ما تعلماه نطبقه في منع تسرب السوائل من البراميل، عبر الاعتماد على دهانها من الداخل بمادة شمعية، وتبطينها بطبقة من القش المخصوص.

وعن الصعوبات التي تواجه المهنة في الوقت الراهن، يقول الشقيقان إن البضائع المستوردة من الصين تنافس منتجات الورشة بشكل خطير، كما أنّ مهنته لا تجد التقدير الكافي في مصر من المواطنين أو الجهات الحكومية، على الرغم من أنها تعد من الصناعات صديقة البيئة التي تنافس المنتجات البلاستيكية الضارة، والتي تبحث الدولة عن طرق للتخلص منها.

موضوعات ذات صلة