بير مسعود. قبلة المصريين لتحقيق الأمنيات
مجموعة من الصديقات تلتقين على كورنيش الإسكندرية شمالي مصر، وتتشابك
أياديهن متجهات إلى "بئر مسعود" في منطقة ميامي شرق المدينة الساحلية ،
لتقفن أمامه وتتمتم كل منهن بأمنية غالية المنال ثم تُلقي بعملة معدنية صغيرة في
البئر وتبتسم ابتسامة رضا واستبشار ثم ترحل لتترك المكان لصديقتها لتفعل الأمر
ذاته.
رحلة سعيدة يعرفها أهالي الإسكندرية جيدًا، كما يعرفها الكثير من زوارها
ومحبيها من الذين يسمعون عن البئر الأسطوري، والذي تُروىَ عنه حكايات كثيرة عن
قدرته على تحقيق الأحلام والأمنيات إذا ما ألقى صاحبها عملة معدنية صغيرة داخله
بعد التمتمة بما يتمنى.
و"بئر مسعود" او "بئر الأمنيات "هو عبارة عن فوهة بئر صغيرة مربعة الشكل، داخل كتلة صخرية، عمقها حوالي 5 أمتار، وعرضها وطولها قرابة متر، ويربطها مجرى مائي بشاطئ البحر، ويعتبر أحد أهم مزارات الإسكندرية في السنوات الأخيرة ، إذ يزوره أهالي المدينة والمدن الأخرى بالإضافة إلى السائحين الأجانب.
ومع اقتراب فصل الصيف تظهر تجمعات للمصريين من مختلف الشرائح العمرية خاصة
من الشباب حول بئر الأمنيات لممارسة طقوس القاء العملات المعدنية بداخلة بجانب
المتجمعين للاحتفاء والاستمتاع بأشعة
الشمس والبحر والتقاط الصور التذكارية حيث المنظر الخلاب للمنطقة .
وتقول هايدي عمر الطالبة بجامعة الإسكندرية (21 سنة)، إن البئر لم يردها
خائبة من قبل، إذ تأتي إليه وتلقي العملة وتتمنى، ثم لا يمر أسبوعًا إلا ويتحقق ما
تمنته، مضيفة: "أعلم جيدًا أن الله هو المُقدر لكل شيء، ولكن بئر مسعود يُمثل
لي فأل حسن ويرتبط معي بذكريات جميلة في مناسبات عدة".
وتتداخل زميلتها وصديقتها مي سعد، في الحديث، وتقول: تقدم شاب لخطبتي 3 مرات
متتالية ولكن والدي كان يرفضه ، على الرغم من رجائي وتوسلي إليه في كل مرة، وحينما
نصحتني أقرب صديقاتي بزيارة بئر مسعود وإلقاء العملات المعدنية فيه، قررت التجربة،
فجهزت 10 جنيهات معدنية وألقيتها فيه، مصحوبة بدعوات لتحقيق أمنيتي بموافقة والدي.
أما الفتاة الثالثة "هبة فيصل"، الطالبة بالدفعة الثالثة بجامعة
الإسكندرية، فتكشف عن سبب لجوئها إلى بئر مسعود، فتقول: أتفاءل بإلقاء العملات
فيه، فهو مريح بشدة للأعصاب، ويكفي أنه يتركني أحدثه كثيرًا وأحكي كل ما بداخلي
دون أن يقاطعني، وكأنه طبيب نفسي ماهر يعرف كيف يُنصت لزائره.
وتابعت: كلما تضيق بي الحياة وتشتد علي الأزمات في الأسرة والدراسة وأحوال
الدنيا، لا أجد ملجأً إلا "بير مسعود"، والذي اعتدت على إلقاء 5 عملات
معدنية فيه بعد أن ألقي فيه كل ما في نفسي من هموم.
زيارة البئر لم تقتصر علي الفتيات، إذ يقف الشباب والرجال والسيدات من جميع
الأعمار أمامه طالبين المساعدة وواثقين في النتيجة.
وتقول الحاجة نادية ياسين (62 سنة)، إنها وقفت أمام بئر مسعود متمنية
ومترجية في 3 مناسبات، حيث لتحقيق رغبات وامنيات وفي كل مرة لم يكن يمر 6 أشهر على زيارة البئر
حتى تتحقق رغباتها .
وأضافت: بئر مسعود له قدرة غريبة على امتصاص الحالة النفسية السيئة لكل من
يزوره، ويرتبط بذكريات سعيدة لغالبية أهالي الإسكندرية، إذ تتحقق أمنياتهم
وأحلامهم بمجرد زيارته وإلقاء العملات المعدنية فيه.
وفي المقابل، يمارس المئات من الشباب هوايتهم في الغطس داخل البئر لالتقاط
تلك العملات الملقاة في جوفه ، رغم ما
تنطوي على مخاطرة ، ثم السباحة داخل المجرى
المائي والخروج من البئر من جهة البحر، وهو ما اعتبرها البعض مغامرة
مسلية إذا ما تمكنوا من الانتظام في تلك الهواية بدون أن تسبب الصخور
المدببة داخل البئر في جروح خطيرة أو كسور في عظامهم أم أن يختنقوا غرقًا ويفارقون
الحياة بسبب قوة اندفاع الأمواج.
ومن جانبه يقول الدكتور إسلام عاصم، مدرس التاريخ الحديث والمعاصر، بئر
مسعود من أشهر الأماكن في الإسكندرية التي يدور حوله الكثير من الحكايات والأساطير
التي لا دليل عليها، وعلى الرغم من ذلك تتناقلها الأجيال على مدار السنين
باعتبارها حقيقة تجلب الحظ وتحقق امانيهم.
واشار الى انه من الروايات الشائعة
أنه يحتمل أن تكون بئر مسعود مقبرة تعود للعصر اليوناني
الروماني، حيث كان اليونانيون يقيمون مقابرهم قرب البحر، الرومان اشتهروا بحفر
مقابرهم وسط الصخور بالقرب من البحر، مثلما يوجد في مقابر القباري وكوم الشقافة
الأثرية.
وحول تسمية "بئر مسعود" بهذا الاسم.يقول الدكتور أحمد
عبدالفتاح مستشار وزير الآثار الأسبق أن الروايات تعددت حول البئر، ورجح البعض
أنها سميت بهذا الاسم نسبة إلى شيخٍ صالح يدعى مسعود، و كان
يتردد يومياً على البئر ليتأمل في خلق الله، وتوفي بجانب البئر
وبعد ذلك، عندما تسببت البئر في غرق المنطقة المحيطة بها، ظن البعض أنها
رد فعل غاضب على موت الشيخ مسعود فأطلقوا عليه اسم بئر مسعود.
وأشار إلى حكاية أخرى تقول إن هناك ثريا كان لديه عبد هرب من بطشه وسوء
معاملته واختبأ في البئر وفى اليوم التالي وجده الأهالي وقد توفى بجواره وأطلق
عليه هذا الاسم لأن العبد الحبشي مسعود بأن تخلص من بطش هذا الثرى.
بدوره اكد اللواء محمد الشريف محافظ
الإسكندرية، على اهتمام الأجهزة المعنية بالمدينة الساحلية لمنطقة "بئر مسعود" الشهيرة لتكون
متنفسا ترفيهيا، يخدم أهل المحافظة وزائريها مع توفير كافة الخدمات اللازمة
للمواطنين
وأشار إلي اختيار منطقة "بئرمسعود" لبدء تنفيذ مشروع الهوية
البصرية لمحافظة الإسكندرية بتكلفة 25 مليون جنيه
ضمن تطوير المنطقة بالكامل بإنشاء
مقاعد وأماكن جلوس رخامية وعمل مدرجات فنية على غرار المسرح الروماني لتعظيم
القيمة الأثرية والتاريخية باستخدام مجموعة من العناصر التي يتم
تصميمها لتتماشي الطبيعة المنفردة للمكان.