قانون تأجير المستشفيات
رغم مرور أكثر من أسبوع على سن مجلس النواب قانون ينص على تأجير المستشفيات العامة، ما زال القانون يثير الجدل فى الشارع، وبين المتخصصين فى الشأن الصحى.
أحد أهم أسباب هذا الجدل أن القانون يرتبط بتقديم خدمة عامة، يحتاج لها الناس بشكل دائم، وتلك الخدمة ليست رخيصة الثمن، والأهم أنها تقدم للناس فى مجتمع تزايدت فيه نسبة الفقر، ما يجعل لهذا الجدل الأهمية الكبرى، وإذا أضيف إلى كل ذلك أن الخدمة الصحية هى أحد الخدمات المهمة التى تتسم بالعمومية بمعنى وجود حد أدنى من التزام الدولة تجاه مواطنيها بها لاتضحت الصورة بشكل جلى. إذ رغم تعدد أشكال وصور اهتمام الدول بمجتمعاتها فى الشأن الصحى، لكنها تتفق جميعها على ضرورة وجود عناية خاصة بهذا الأمر كواحد من التزام الدول قبل مواطنيها.
من أجل كل ذلك جاءت المادة 18 من دستور 2012 المعدل لتشير لعمومية الاهتمام بالصحة، والتزام الدولة تجاه المواطنين بالحديث عن أن «لكل مواطن الحق فى الصحة وفى الرعاية الصحية المتكاملة وفقا لمعايير الجودة»، كما تشير ذات المادة إلى أن الدولة ومن خلال مواردها وإيرادات مؤسساتها وهيئاتها، وكذلك من خلال أحد أهم أوعية الإيرادات بها وهو الوعاء الضريبى الذى يشترك كافة الناس فيه عبر من يخاطبون بأحكام قوانين الضرائب، تلتزم بالإنفاق على الصحة، وذلك بالإشارة إلى أن «تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومى الإجمالى تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية» وهو أمر وباتفاق الكثيرين ما زلنا بعيدين عنه.
وكان الدستور قد أمعن فى تفصيل كل ذلك، حتى لا يترك للشارع القانونى أية إمكانية كى يتصرف كما يحلو له بشأن تلك الخدمة خشية على ما يبدو من أن يخضع الأمر لهوى حكومة أو هوى أغلبية برلمانية فتخرق هذا المبدأ، حيث قال «وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التى تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافى العادل.. ويجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان فى حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة».
من أجل ذلك كله سعت الدولة فى السنوات الماضية لإقرار منظومة جيدة للتأمين الصحى، وصارت تلك المنظومة على سبيل التجربة فى ثلاث محافظات مختلفة، قبل أن تسعى إلى تعميمها من خلال الإكثار والتوسع الكبير فى عدد المستشفيات العامة التى تقدم تلك الخدمة للعامة، وكان ذلك كله التزاما بنص الدستور بأن «تلتزم الدولة بإقامة نظام تأمين صحى شامل لجميع المصريين يغطى كل الأمراض، وينظم القانون إسهام المواطنين فى اشتراكاته أو إعفائهم منها طبقا لمعدلات دخولهم». وقد أوصى الحوار الوطنى الذى دعا له رئيس الدولة فى أبريل 2022، بتأكيد على «تسريع وتيرة تطبيق منظومة التأمين الصحى الشامل، من خلال التوسع العرضى فى نظام الرعاية الصحية الأولية على مستوى الجمهورية، طبقا للمعايير التشغيلية لهيئة الرعاية الصحية...إلخ «.
وبشأن حقوق الأطباء وأطقم التمريض، فقد أشار الدستور إلى أن «تلتزم الدولة بتحسين أوضاع الأطباء وهيئات التمريض والعاملين فى القطاع الصحى» ومن ثم يعد خرقا لتلك المادة الحديث عن أن تأجير المنشأة الصحية العامة سيكون بتشغيل 25% على الأقل من طاقمها الموجود، وأن العنصر الأجنبى لن يزيد بحال عن 25% هو الأخر، والمؤكد أن هذا الخرق سيستمر حتى لو التزم المستأجر بتعويض لم يحدد لمن سيتم تسريحهم.
عمرو هاشم ربيع نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية